الخميس، 19 فبراير 2015

خطبة الجمعة الأولى من شهر جمادى الأولى لعام 1436 هـ = لفضيلة الشيخ / عبد الرحمن عبد العزيز - مدرس بالأزهر الشريف


خطبة الجمعة الأولى من جمادى الأولى 1436هـ
مسجد شباب الإسلام  - شارع المطراوي
المطرية – القاهرة – مصر
الموضوع : السبع الموبقات
العناصر : تعاليم النبي واجبة النفاذ -  من عواصم الإيمان الطاعة لله ولرسوله - شرح اجتنبوا – الموبقات – الشرك وأنواعه – السحر – قتل النفس – معنى التي حرم الله – معنى إلا بالحق – أكل الربا  - أكل مال اليتيم – والتولي يوم الزحف – وقذف المحصنات –
الخطبة الأولى :
الحمد والثناء :  الحمد لله رب العالمين – حدا يليف بذاته – حمدا يليق بجلاله – نحمده حمد الذاكرين – نحمده حمد الشاكرين  نثني عليه الخير كله ولا نحصى ثناء عليه هو كما أثني على نفسه فقال فإلهكم  إله واحد فله أسلموا وبشر  المخبتين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل :  {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً *يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}(الفرقان:68-70).
واشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من صفوة خلقه حبيبه – اصطفاه للرسالة – فنشهد أنه بلغها وأدى الأمانه ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين – فصلوات ربى وتسلياته عليه وعلى آله وصحبه سلم – القائل :
عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) رواه البخاري برقم (2615)، ومسلم برقم (145).
أما بعد ، أيها المسلم الكريم
يُحذِّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته في هذا الحديث من الوقوع في الذنوب المهلكة، والكبائر العظيمة التي تورد صاحبها المهالك، حيث عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً من هذه الذنوب والكبائر وهي ليست للحصر، بل قد وردت نصوص أخرى بذكر بعض الكبائر والذنوب كعقوق الوالدين، والظلم، وشهادة الزور، وغيرها كثير.
وقد صنَّف العلماء قديماً وحديثاً في باب الكبائر والذنوب والمهلكات ومنهم الإمام الذهبي رحمه الله الذي صنف كتاب "الكبائر"، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له كتاب بعنوان الكبائر، وهذا يدل على خطر الوقوع فيها، مما يستلزم الحذر منها، والمسارعة إلى التوبة، والاستغفار، والإنابة إلى الله تعالى عند الوقوع فيها يقول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً *يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}(الفرقان:68-70).

الموضوع :
======
الاجتناب: هو الابتعاد وعدم المقاربة.
الموبقات: قال الإمام النووي رحمه الله: "هي المهلكات، يُقال: (وبق الرجل) بفتح الباء (وبق) بكسرها، و(وبق) بضم الواو وكسر الباء (يوبق) إذا هلك، و(أوبق) غيره أي أهلكه".
السحر: "عزائمُ ورقىً وعُقدٌ تؤثر في الأبدان والقلوب فيُمرض، ويقتل، ويُفَرِّق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه".
الربا: "اختلفت تعريفات الفقهاء للربا باختلاف المذاهب، وعرَّفه الشافعية بقولهم: عقد على عوض مخصوص غير معلوم التّماثل في معيار الشّرع حالة العقد، أو مع تأخير في البدلين، أو أحدهما".
اليتيم: في اللغة هو الانفراد، وفي الشرع هو من مات عنه أبوه دون الحلم أي قبل أن يبلغ، وما بعد البلوغ لا يسمى يتيماً على الراجح قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اليتيم في الآدميين من فقد أباه؛ لأن أباه هو الذي يهذبه، ويرزقه، وينصره بموجب الطبع المخلوق، ولهذا كان تابعاً في الدين لوالده، وكان نفقته عليه، وحضانته عليه".
التولي يوم الزحف: أي الفرار والهرب من المعركة حال قتال العدو.
القذف: هو الرمي والاتهام.
المحصنات: هن العفيفات الطاهرات، المجتنبات للفواحش.
الغافلات: أي الغافلات عن الفواحش، وما قذفن به
الأولى : الشرك بالله أعظم الآثام والموبقة التي لا تغفر أبدا إلا بالإسلام  وهذه الموبقة الأولى: الإشراك بالله: وهو جعل شريك لله سبحانه وتعالى في ربوبيته أو إلهيته، والغالب الإشراك في الألوهية؛ بأن يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئاً من أنواع العبادة كالذبح، أو النذر، أو الخوف، أو الدعاء، والشرك نوعان:
الأول: شرك أكبر يخرج من الإسلام، ويخلد صاحبه في النار إذا مات، ولم يتب منه، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كدعاء غير الله، والتقرب بالذبح والنذر لغير الله من القبور والجن، والخوف من الموتى أو الجن أن يضروه أو يمرضوه، ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات، وتفريج الكربات مما يفعل الآن حول قبور الصالحين وغيرهم قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}(يونس:18).
والنوع الثاني: شرك أصغر لا يخرج من الإسلام لكنه ينقص التوحيد، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر، وهو قسمان: القسم الأول شرك ظاهر وهو (ألفاظ وأفعال)، فالألفاظ: كالحلف بغير الله كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) ، ونحو قوله صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: ((أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده)) ، وأما القسم الثاني من الشرك الأصغر: فهو شرك خفي، وهو الشرك في الإرادات والنيات بالرياء والسمعة، كأن يعمل عملاً مما يتقرب به إلى الله تعالى يريد به ثناء الناس عليه، مثل أن يحسن صلاته، أو يتصدق لأجل أن يُمدح ويُثنى عليه، والرياء إذا خالط العمل أبطله قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}(الكهف:110)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)) قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: ((الرياء)).
والشرك بالله هو أحد أكبر الكبائر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر)) ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله...)) رواه البخاري برقم (2511)، ومسلم برقم (87)، وهو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى لمن مات ولم يتب منه، بل يكون مصير صاحبه النار كما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}(النساء:48)، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}(المائدة:72)، وذلك لأن الشرك فيه مشابهة للخالق الكامل من جميع الوجوه بالمخلوق الضعيف الناقص.
الموبقة الثانية: السحر: وقد تقدم تعريف السحر بأنه عزائمُ ورقىً وعُقدٌ تؤثر في الأبدان والقلوب فيمرض، ويقتل، ويُفَرِّق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه، وعرَّفه بعض المعاصرين بأنه: "عبارة عن أمور دقيقة موغلة في الخفاء، يمكن اكتسابها بالتعلم، تشبه الخارق للعادة، وليس فيها تحد، أو تجري مجرى التمويه والخداع، تصدر من نفس شريرة تؤثر في عالم العناصر بغير مباشرة أو بمباشرة".
وقد اختلف في السحر هل له حقيقة أم لا؟
فالقول الأول: أن السحر له حقيقة وتأثير، وهذا ثابت بالكتاب والسنة يقول الإمام النووي رحمه الله: "والصحيح أن له حقيقة، وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة. انتهى"، وقال القرطبي رحمه الله: "ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت، وله حقيقة..." ، والأدلة على ذلك من القرآن: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ}(البقرة:102)، ووجه الدلالة من هذه الآية أن الله تعالى أخبر أن للسحر آثارً حقيقة، ومنها أنه يتم بواسطته التفريق بين المرء وزوجته، وأن ما يتعلمونه ما هو إلا ضرر لا نفع فيه.
ومن الأدلة أيضاً قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}(الفلق:1-5)، ووجه الدلالة أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من شر النفاثات وهن السواحر، كما أن جمهور المفسرين اتفقوا على أن سبب نزول هذه السورة هو ما قام به لبيد بن الأعصم اليهودي لعنه الله من سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
والأدلة من السنة: ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سَحَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يُقال له "لبيد بن الأعصم" حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: ((يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان))، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء فقال: ، قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: ((قد عافاني الله فكرهت أن أثِّور على الناس فيه شراً))، فأمر بها فدُفنت" رواه البخاري برقم (5430)، وفي هذا الحديث بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يصيبه ما يصيب الناس، وكذلك فإن الحديث يدل على أن السحر له حقيقة وتأثير في الخارج، يظهر هذا من تغير عادة النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يظن أنه قد فعل الشيء وهو لم يفعله حقيقة، والله أعلم..
القول الثاني: وهو قول عامة المعتزلة وجماعة من العلماء كأبي منصور الماتريدي، وابن حزم، وأبي جعفر الأستراباذي من الشافعية، وأبي بكر الجصاص؛ وغيرهم، ويتلخص رأيهم في أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل، فلا تأثير له لا في مرض، ولا حل، ولا عقد ولا غير ذلك، وعلى ذلك فهم ينكرون من أنواع السحر ما كان له حقيقة، ويجعلونه ضرباً واحداً وهو سحر التخييل ييقول القاضي عبد الجبار: "إن السحر في الحقيقة لا يوجب المضرة لأنه ضرب من التمويه والحيلة…"، ويقول أبو منصور الماتريدي: "والأصل أن الكهانة محمول أكثرها على الكذب والمخادعة، والسحر على التشبيه والتخييل"، ولهم في ذلك شبهات اشتغل العلماء بتفنيدها، والرد عليها.
وأجمع العلماء على أن السحر حرام، وتعلمه حرام، وتعاطيه حرام، والذهاب إلى السحرة حرام فعن صفية رضي الله عنها عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة)) رواه مسلم برقم (2230)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) ، وعن أبي هريرة والحسن رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى كاهناً أو عرافاً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) ، واختلف العلماء في حدِّ الساحر وهل تقبل توبته أم لا؟ فقال جمهور أهل السنة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ورواية عن الإمام الشافعي: أنه متى ما ثبتت جريمة السحر بحق إنسان بإقرار أو بيّنة؛ وجب قتله مطلقاً من غير استتابة، إلا أن يأتي تائباً قبل أن يُقدر عليهيقول الإمام أبو حنيفة: "يُقتل الساحر إذا عُلم أنه ساحر، ولا يُستتاب، ولا يُقبل قوله: إني أترك السحر، وأتوب منه، فإذا أقرّ أنه ساحر فقد حل دمه، وإن شهد عليه شاهدان أنه ساحر فوصفوا ذلك بصفة يُعلم أنه ساحر قُتل ولا يستتاب، وإن أقرّ فقال: كنت أسحر وتركت هذا منذ زمان قُبِلَ منه ولم يقتل، وكذا لو شهد عليه أنه كان مرة ساحر، وأنه ترك منذ زمان لم يقتل إلا أن يشهدوا أنه الساعة ساحر، وأقرّ بذلك فيُقتل"، وقال الإمام مالك: "الساحر كافر يُقتل بالسحر ولا يستتاب، ولا تقبل توبته، بل يتحتم قتله كالزنديق".
الموبقة الثالثة: قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق: ويُعتبر من أكبر الكبائر بعد الكفر بالله لأنه اعتداء على صنع الله، وعلى الجماعة والمجتمع قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}(الإسراء:33)، وجاء الوعيد الشديد على قتل النفس المحرمة في كتاب الله تعالى فقال سبحانه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}(النساء:93)، والواجب على من قتل نفساً محرمة؛ القصاص إلا أن يعفو أولياء القتيل، أو يقبلوا الدية، وإن كان القتل خطأ أو شبه عمد فإن الواجب الدية والكفارة وهي: تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}(النساء:92)، فلا يجوز قتل النفس التي حرَّم الله إلا في حال فعلها لشيء يوجب قتلها كما أخرج الإمامان البخاري ومسلم في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحلُّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) رواه البخاري برقم (6484)، ومسلم برقم (1676)، وذلك لأن الإسلام ينظر إلى وجود الإنسان على أنه بنيان بناه الله تعالى، فلا يحق لأحد أن يهدمه إلا بالحق، وبذلك يُقرر الإسلام عصمة الدم الإنساني، ومن اعتدى على نفس واحدة فكأنما اعتدى على الناس جميعاً قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}(المائدة:32)، وبهذه الأوامر والنواهي تُصان الدماء، وتُحترم الأعراض، ويسود الأمان والاطمئنان بين الناس، فكل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله".
الخطبة الثانية:
========
الحمد والثناء والشهادتين  - تكلمنا عن ثلاث موبقات ونكتفي بهم في هذا اليوم المبارك على أمل أن نكمل موضوعنا في لقاء قادم إن قدر الله لنا حياة
التذكرة بتقوى الله -  الحث على الطاعة – والإخلاص في العبادة – كثرة التوبة والاستغفار – الدعاء – أقم الصلاة        
فضيلة الشيخ : عبد الرحمن عبد العزيز – مدرس بالأزهر الشريف 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق